الحمد لله القائل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)
وصلى الله وسلم وبارك على القائل (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) ...
اما بعد اخوتي في الله..
اعلموا وفقني الله وإياكم أن مما شرعه لكم نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح وهي سنة مؤكدة، سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات
[أي بين كل تسليمتين، لأن التراويح مثنى مثنى، وصلاة التهجد كذلك، وقد يغلط بعض أئمة المساجد الذين لا فقه لديهم فلا يسلم بين كل ركعتين في التراويح أو التهجد وهذا خلاف السنة، وقد نص العلماء على أن من قام إلى ثالثة في التراويح أو في التهجد فهو كمن قام إلى ثالثة في فجر أي تبطل صلاته، وسنذكر في آخر الكتاب إن شاء الله جوابا للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يرد على هؤلاء ويبين خطأهم]
لأنهم كانوا يطيلون الصلاة وفِعلها جماعة في المسجد أفضل، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ليالي ثم تأخر عن الصلاة بهم خوفا من أن تفرض عليهم، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" [أخرجه البخاري رقم 1129 ومسلم رقم 761]
وذلك في رمضان وفعلها صحابته من بعده، وتلقتها أمته بالقبول، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" [أخرجه أبو داود رقم 1375 وابن ماجة رقم 1327 والنسائي رقم 1365، 1606 والترمذي رقم 806، وقال: هذا حديث حسن صحيح] وقال عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 2009 ومسلم رقم 759]، فهي سنة ثابتة لا ينبغي للمسلم تركها.
أما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور من من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشر ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره.
وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي صلى بهم عشرين ركعة، والصحابة رضي الله عنهم منهم من يقل ومنهم من يكثر، والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح، وكثير من الأئمة ـ أي أئمة المساجد ـ في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل ورب قليل خير من كثير،
وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل فيها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، واما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه فحسن،
وقد ذم الله الذين يقرؤون القرآن بلا فهم معناه، فقال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}
[البقرة 78] أي تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة. انتهى كلامه رحمه الله.
وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ويأخذون بالعدد الأقل في الركعات، فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة، وهذا تلاعب بالعبادة،
[وبعضهم يخرج صوته خارج المسجد بواسطة الميكرفون فيشوش على من حوله من المساجد، وهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعا فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد فقال: "يا أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" انتهى. [مجموع الفتاوى (23، 61، 62، 63، 64 )]
فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم، ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع.
[وبعض أئمة المساجد يسرع في القراءة ويطيلها من أجل أن يختم القرآن في أول العشر الأواخر أو وسطها فإذا ختمه ترك مسجده وسافر للعمرة وخلف مكانه من قد لا يصلح للإمامة، وهذا خطأ عظيم ونقص كبير، وتضييع لما وكل إليه من القيام بإمامة المصلين إلى آخر الشهر، فقيامه بذلك واجب عليه والعمرة مستحبة، فكيف يترك واجبا عليه لفعل مستحب؟ وإن بقاءه في مسجده وإكماله لعمله أفضل له من العمرة، وبعضهم إذا ختم القرآن خفف الصلاة وقلل القراءة في بقية ليالي الشهر التي هي ليالي الإعتاق من النار وكأن هؤلاء يرون أن المقصود من التراويح والتهجد هو ختم القرآن لا إحياء هذه الليالي المباركة بالقيام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلبا لفضائلها وهذا جهل منهم وتلاعب بالعبادة، ونرجو الله أن يردهم إلى الصواب].